حلب وشراب اللوز

حلب وشراب اللوز
كنت يافعاً في مقتبل العمر حين حضرت عقد
قران في بلدة من بلدات إدلب، وبعد (كتب الكتاب) أقبلت الصواني وقد نُضّدت عليها
كاسات شراب اللوز الأبيض تعلوه الرغوة الشهية. وكم كانت خيبتي مريعة حين رشفت أول
رشفة فإذا هو عيران وليس شراب اللوز! يومها عرفت أن هذا الشراب يختص بمدينة حلب
وحدها، ولا يقدم في باقي المدن السورية
.

كان شراب اللوز اللؤلؤي الذي يُقدّم فقط
في مناسبة (كتب الكتاب)، وحصراً بعد أن يتم الإيجاب والقبول من أولياء الزوجين،
كان بالنسبة إلي ولكثير من الحلبيين من أهم محفزات حضور حفلات عقد القران
والمشاركة فيها، وكان مكان الحفلة ومستوى عائلة العروسين مؤذنين بنوعية الشراب
الذي سيقدم وبمدى جودته. فإذا كان المكان في صالة الغزالي أو في ندوة الشهباء أو
في صالة أمية في فندق شهباء الشام، وما شاكل هذه الأمكنة فأنعم به عندئذٍ من شراب،
وغالباً ما سيكون من محلات الصباغ أوالعنجريني أو وطفة
.
وكانت أمتع المشاهد التي كنت أحاول
تتبعها دائماً في تلك الحفلات تقييم كبيري السن لشراب اللوز، إذ لم تخلُ حفلة من
مشاهدتي بعضهم وهم يبتسمون مع خفض الرأس علامةً على رضاهم عن هذا الشراب، وفي
أحيان أخرى يرفعون حواجبهم وقد علتهم ابتسامة صفراء، كأنهم أيقونة في رسالة واتس
أب نصية، وهم يتهامسون في إشارة منهم لبخل والد العريس أو العروس: “ليس
لوزاً.. بل (عجو) مشمش
“.
ومن طرائف شراب اللوز أنّ نادلاً قال
للشيخ الذي كرع كأس الشراب دفعةً واحدة: شيخي!! أليس من السنة أن تشرب الكأس على
ثلاث رشفات؟ فأجابه الشيخ: بلى… هذه الرشفة الأولى… أعطني كأسين آخرين
.
نعم لن يعرف العالم أجمع قيمة الحضارة
الحلبية وأهميتها حتى يتذوق (شراب اللوز)، وحيئذ فقط سيعض العالم يديه أسفاً
وندماً على ما فرّط في حقّ هذه المدينة يوم تركها نهباً لكل مجرمي الأرض
.
وفي هذه الساعة الفضيلة قبل أن تغرب شمس
يوم الأحد الفضيل نرفع الأكف إلى الله قائلين: يلعن روحك يا حافظ
.
محمد أمير ناشر
النعم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *