المسيحي الذي شرح القواعد الفقهية باقتدار


كنت سنة 1985 طالباً
في الصف العاشر في الثانوية الشرعية، يومها اشتريت من مكتبة الشيخ عمر زيتوني رحمه
الله (شرح مجلة الأحكام العدلية) لمؤلفه سليم رستم باز اللبناني، وكان مجلدا ضخما
في حدود 
1200 صفحة.

ومجلة
الأحكام العدلية هي القانون المدني للدولة العثمانية الذي عملت لجنة من الفقهاء
على استمداده من الفقه الحنفي، وقامت على تحريره وصياغته صياغة قانونية حقوقية
بإشراف العالم العلامة المؤرخ الأديب وزير الحقانية (وزير العدل) أحمد جودت
باشا، (ت
: 1895)،
وانتهت من إنجازه سنة 
1876. والذي
كان يهمني وقتها هو أن أقرأ وأفهم القواعد الفقهية المئة التي تصدرت مجلة الأحكام،
والتي يدور عليها معظم الفقه الإسلامي، فمن تمكن منها فقد أخذ بحظ وافر من الفقه
ومن الملكة الفقهية
.
كان الشارح سليم رستم باز يصول ويجول بكل سلاسة، وكم أعجبت بتمكنه
العلمي واقتداره الفقهي، لأتفاجأ فيما بعد أن هذا الشارح الفقيه لم يكن مسلما بل
مسيحياً، وقد حاولت أن أتعمق في سيرته، لكن المصادر لم تكن تسعفني، سوى أنني عرفت
بالمصادفة أن والده هو رستم باز سكرتير الأمير بشير الثاني ومرافقه في منفاه، وقد
شاهدت مذكراته المطبوعة، ولكنني لم أقرأها مع الأسف
.من
أعمال الشارح الفائقة الأهمية (قانون الجزاء الهمايوني) حيث قام بضبطه وصياغته
ولملمته ومواءمته مع

القوانين الجنائية والتجارية والبحرية الحديثة المأخوذة من
أوروبا. وتكمن أهمية دراسة هذا الكتاب في أنه يمدّنا بالعناصر اللازمة لفهم سيرورة
التقنين في البلاد المسلمة، وما الأصداء التي كانت ترافق تلك العملية التقنينية
وكيف تقبلها الخاصة والعامة في تلك الآونة
.باختصار:
إن هذه الشخصية موضوع ممتاز لرسالة دكتوراه أو لبحث جاد رصين يكشف عن معالمها
وعوالمها
.ورغم أن المؤلف توفي
سنة 
1920،
ورغم أهميته، فإنني لم أعثر على صورة له في الإنترنت. لكن في كتاب الأعلام للزركلي
فقط
!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *