السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل التصوف

السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل التصوف
كتب الشيخ محمد الغزالي (السنة النبوية
بين أهل الفقه وأهل الحديث)، وكان الكتاب يومها خطوة جرئية وصادمة للكثيرين
.

ونحن اليوم بحاجة أكثر لأن نكتب: (السنة
النبوية بين أهل التصوف وأهل الفقه)
.
ولكي أوضح مقصدي من العنوان أضرب مثالين
للتعاطي مع السنة النبوية والنص النبوي من قبل النظرة الصوفية والنظرة الفقهية
.
المثال الأول:
مرضت زينب بنت النبي عليه الصلاة
والسلام، وكانت ابنتها أمامة صغيرة، فكان النبي الكريم يخفف عبء رعاية الحفيدة عن
أمها، يرعاها ويتعهدها، وتحدثنا كتب السنة أنه في وقت صلاته كان يحملها، فإذا أراد
السجود وضعها على الأرض، وإذا انتهى منه رفعها وحملها
.
أمام هذه الحادثة نحن أمام تعاطيين:
تعاطي أهل الفقه الذين انصرف جل همهم
وتفكيرهم في عدد الحركات التي يتاح للمصلي أن يقوم بها في أثناء صلاته، فالنبي كان
يحمل البنت ثم يضعها، ثم يحملها ثم يضعها، وهكذا… وهم لم يجدوا في هذه الحادثة
سوى هذه القضية (حركات المصلي) التي أشبعوها تأصيلا وتفصيلا؟
في حين كان تعاطي أهل التصوف من خلال
استكشاف المعاني الإنسانية في فعل النبي، ومدى رعايته لعالم الطفولة، وتقديره لها،
وعنايته بالمرأة ومحبته لها. وكيف أن ذروة العلاقة مع الله مجسدة بالصلاة لا تحجب
العلاقة مع الإنسان، بل تعين عليها وتدعمها وتجليها
.
المثال الثاني:
ورد في السنة الشريفة الأمر بـ (غض
البصر)
.
أما أهل الفقه فرأوا فيه نهيا عن النظر
إلى المرأة الأجنبية، واقتصرت معالجتهم لغض البصر على هذه الناحية فقط
.
أما أهل التصوف فنقبوا عن المعنى العميق
في فهم هذا الأمر النبوي، فلم يفهموه في اتجاه واحد فقط، وإنما فهموه دعوة إلى
(التغاضي)، عن أخطاء الآخرين وسلبياتهم، ودعوة ليتطور الإنسان روحياً، حتى تظهر
لديه قدرة تتطور بالتدريج يمكن تسميتها بـ (المقدرة على الترفع فوق الأسباب)….
من دون أن يعني (غض البصر) (الإهمال)، فالمهمل لا يغض البصر لسبب بسيط، وهو أنه لا
ينظر أصلاً! أما (المتغاضي) فهو من يرى، ولكنه يغض البصر، ويتغاضى
.
محمد أمير
ناشر النعم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *